اتفاق المشاركين في القمة على الحدّ الأدنى مقدما من خلال اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة بانشاء لجنة تدرس قضية حق الإشراف على الصفحات في شبكة الانترنيت ومن خلال ردّ الطلب الصيني بتغييب قضايا حرية الصحافة على اعتبار أن القمة تكنولوجية وليست إعلامية لا يغير في الحقيقة الأساسية شيئا.
فالتحديات التي تواجهها قمة مجتمع المعلومات تتجاوز الأطر الضيقة كإعلان النجاح أو الفشل. التحديات الرئيسية موجودة خارج قاعات المؤتمر الذي يعقد
في سويسرا وخارج الهوامش التي يمكن للسياسيين والخبراء والمهتمين حلّها في أيام المؤتمر الثلاثة.
خارطة الخلافات الأساسية تعكس انقسام الشمال والجنوب حول قضايا المعلومات و"حرية الحصول" عليها وصولا إلى" إمكانية الحصول" عليها.
وبينما تبدو كتلة ما يسمى بالدول المتقدمة متفقة على أجندا نشر المعلومات وأهمية تحرير هذه العملية وتطويرها، يتشكك جانب ما يعرف بالدول النامية بنوايا وأهداف وفي أفضل الأحوال جدوى ما يطرحه الفريق الأول.
ولعلّ اموقف الصيني هنا هو الأجدر بالاهتمام: فقد عبر الجانب الصيني عن اعتراضه على ادراج قضية حرية الصحافة والتعبير في أعمال المؤتمر خوفا، كما يرى مراقبون غربيون، من تحول اللقاء إلى مناسبة لمهاجمة التجاوزات الكثيرة للصين في هذا المجال. لكن آخرين يرون في القضية ما هو أكبر من ذلك، يرون أن الأجندة وبغض النظر عن تقييم محتواها يتم وضعها وتحديدها من قبل الدول المتقدمة ووفقا لرؤيتها وأولوياتها دون العودة إلى رؤى ومشاغل الدول الأخرى بغض النظر هنا أيضا عن تقييم هذه الرؤى والمشاغل. والسؤال من وجهة نظر الصين هو: هل حرية الصحافة هي التحدي أم أن سعر الورق ومحو الأمية قضايا أكثر أهمية؟ بكلمات أخرى: من ذا الذي يضع الأجندة وبأي حق؟
جدلية القضايا المطروحة تتبدى أيضا من خلال الموقف الذي تعبر عنه البرازيل ضمن دول أخرى: فالمعلومات برأي الجانب البرازيلي تبقى مفهوما مجردا ما لم يتم التطرق إلى الطرق والوسائل المباشرة للحصول عليها والتعامل معها. ومع تعقد الوسائل المستخدمة في هذا الصدد وخاصة على صعيد وسائل الاتصال الالكترونية و شبكة الانترنيت تقف دول ما يسمى بالعالم الثالث موقف المتفرج من التطورات في مجال الاتصالات بسبب ما تسميه هذه الدول احتكار التقنية من جانب الدول المتطورة من جهة وعدم مراعاة مطوري التقنيات في تلك الدول لأوضاع العالم الثالث سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية. والسؤال المطروح برازيليا هو: هل من المنطقي أن يدخل الشاب البرازيلي بحكم هذا الواقع على صفحات أمريكية وأوروبية دون أن يحدث العكس أيضا؟ بكلمات أخرى: من الذي ينتج أي معلومة لمن؟ ولماذا؟
يبقى الموقف الإيراني الذي تختفي خلفه دول عديدة مما يعرف بالدول الإسلامية والعربية والمتمثل في التحفظ تجاه المعلومة على اعتبار أن ثمة منظومة شرعية وأخلاقية واجتماعية لابدّ من مراعاتها حين يدور الحديث حول مصدر المعلومة ومضمونها وتأثيرها. ويمتزج هذا التحفظ بنظرة أوسع ترى أن الجماعة في نهاية المطاف لا الفرد لها الأولوية وأن حق الفرد في التعبير عن نفسه لا يجوز أن يكون على حساب الجماعة. وتعكس التحفظات الإيرانية جدلا مستمرا كانت ساحته في الماضي قضية حقوق الفرد وصولا إلى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وانتقل اليوم ليشمل ساحة المعلومات، وإن كان كثير من المراقبين الغربيين لا يرى في تلك التحفظات إلا محاولة للالتفاف على التغييرات الضرورية اجتماعيا واقتصاديا وقبل هذه وتلك سياسيا.